القهوة هي هذا الصمت الصباحي الباكر المتاني
والوحيد الذي تقف فيه وحدك مع ماء تختاره بكسل و عزلة في سلام مبتكر مع
النفس والاشياء وتسكبه على مهل في اناء نحاسي صغير و داكن و سري اللمعان ،
اصفر مائل الى البني ثم تضعه على نار خفيفة ، اه لو كانت نار الحطب……….
والقهوة هي مفتاح النهار هي ان تصنعها بيديك لا ان تاتيك على طبق لان حامل
الطبق هو حامل الكلام والقهوة الاولى يفسدها الكلام الاول لانها عذراء الصباح الصامت، الفجر نقيض
الكلام ورائحة القهوة تتشرب الاصوات ولو كانت تحية رقيقة مثل صباح الخير وتفسد…. لان القهوة
فنجان القهوة الاول هي مراة اليد واليد التي تصنع القهوة تشيع نوعية النفس التي تحركها
وهكذا فالقهوة هي القراءة العلنية لكتاب النفس المفتوح والساحرة الكاشفة لما يحمله النهار من اسرار.
اعرف قهوتي وقهوة امي وقهوة اصدقائي اعرفها من بعيد واعرف الفوارق بينها .. لا قهوة
تشبه قهوة اخرى ليس هناك مذاق اسمه مذاق القهوة فالقهوة ليست مفهوما وليست مادة واحدة
وليست مطلقا لكل شخص قهوته الخاصة الى حد اقيس معه درجة ذوق الشخص واناقته النفسية
بمذاق قهوته، ثمة قهوة لها مذاق الكزبرة وذلك يعني ان مطبخ السيدة ليس مرتبا ،
وثمة قهوة لها مذاق الخروب ذلك يعني ان صاحب البيت بخيل وثمة قهوة لها رائحة
العطر ذلك يعني ان السيدة شديدة الاهتمام بمظاهر الاشياء وثمة قهوة لها ملمس الطحلب في
الفم ذلك يعني ان صاحبها يساري طفولي وثمة قهوة لها مذاق القدم من فرط ما
تالب البن في الماء الساخن ذلك يعني ان صاحبها يميني متطرف وثمة قهوة لها مذاق
الهال الطاغي ذلك يعني ان السيدة محدثة النعمة.
لا قهوة تشبه قهوة اخرى لكل بيت قهوته ولكل يد قهوتها لانه لا نفس تشبه
نفسا اخرى ، وانا اعرف القهوة من بعيد تسير في خط مستقيم في البداية ثم
تتعرج وتتلوى وتتاود وتتلوى وتتاوه وتلتف على سفوح ومنحدرات تتشبث بسنديانة او بلوطة وتتغلب لتهبط
الوادي وتلتفت الى ما وراء وتتفتت حنينا الى صعود الجبل وتصعد حين تتشتت في خيوط
الناي الراحل الى بيتها الاول.
رائحة القهوة عودة واعادة الى الشيء الاول لانها تتحدر من سلالة المكان الاول، هي رحلة
بدات من الاف السنين وما زالت تعود ، القهوة مكان القهوة مسام تسرب الداخل الى
الخارج وانفصال يوحد ما لا يتوحد الا فيها هي رائحة القهوة هي ضد الفطام ،
ثدي يرضع الرجال بعيدا ، صباح مولود من مذاق مر حليب الرجولة والقهوة جغرافيا.