لقد تطور مفهوم التوازن بشكل ملحوظ بين الفكر التقليدي والفكر الحديث وخلال مراحل التطور هذه
كان يغير التوازن من طبيعته شيئا فشيئا ليحل التوازن النوعي بدل التوازن الكمي وقبل استعراض
اراء الاقتصاديين قديمه وحديثه في موضوع التوازن. يجدر بنا ان نتطرق الى مفهوم التوازن واستعراض
مختلف التعاريف التي حظي بها من طرف هؤلاء الاقتصاديين.
مفهوم التوازن الاقتصادي
يعتبر مصطلح التوازن من المصطلحات والمفاهيم القديمة في الاقتصاد، وقد اهتمت النظريات الاقتصادية في الاغلب
الاعم من تحليلاتها بتحليل التوازن ومفاهيمه وكيفية تحقيقه.
ويقصد بالتوازن عموما تعادل القوى المتضادة التي تؤثر في مستوى الظاهرة موضوع الدراسة.
ويزخر الادب الاقتصادي بنماذج التوازن بشقيه العام والجزئي والتوازن الداخلي والتوازن الاقتصادي الخارجي ومن ثمة
التوازن الاقتصادي العام.
ولا يختلف الاقتصاديون فيما بينهم في تحديد المفهوم الاقتصادي للتوازن فيما قد نجدهم يتناولون بطرق
مختلفة نوع التوازن المطلوب، ومن ثمة وسائل تحقيقه. الا ان المتفق عليه ان التوازن بصفة
عامة يعرف بانه الوضع الذي يتسم بالاستقرار ما لم تتغير العوامل المحددة له. وقد حظي
موضوع التوازن بعدة تعاريف نذكر منها:
– التوازن هو الحالة الاقتصادية والمالية التي تتعادل فيها قوى كلية او جزئية اوكلاهما، اذا
ما توفرت شروط وظروف محددة بحيث ان عدم استمرار احداهما او نقصه او زيادته مع
ثبات غيره ممكن ان يؤدي من خلال العلاقات والتاثيرات المترابطة عبر الوحدات الاقتصادية في الاقتصاد
القومي الى اختلال يطول او يقصر اجله الى ان تسحدث عوامل مضادة تعمل في عكس
الاتجاه المخل ليعود التوازن الاقتصادي سيرته الاولى .
– كذلك هناك من يعرف التوازن بانه الوضع الذي اذا تعذر الوصول اليه مع عدم
وجود اي حاجز بالابتعاد سيظل كما هو ما لم يحدث اي مؤثرات خارجية تؤدي الى
ذلك ومن ثمة يمكن القول ان التوازن هو وضع ثبات نسبي
وتفسير ذلك انه في النظرية الاقتصادية تتم دراسة العديد من الظواهر الاقتصادية كالانتاج او التضخم
او البطالة او العرض او الطلب…..الخ، وتتم دراسة العديد من المتغيرات والمؤشرات الاقتصادية ذات الصلة
بهاته الظواهر وكل متغير ياخذ قيما مختلفة تتغير صعودا او هبوطا وقد تستقر لفترة معينة
عند قيمة معينة او مستوى معين، وهذه القيم المختلفة تتاثر بعدد لانهائي من المتغيرات والمسببات
واذا لم يتواجد ما يغير هذه المؤثرات والعوامل التي تدفع الى تغيير قيمة المتغير فان
هذه القيمة تعرف بالقيمة التوازنية، وفي النظرية الاقتصادية الامثلة عديدة كالسعر التوازني، الكمية المتوازنة، الدخل
التوازني…الخ.
سعر التوازن مثلا هو السعر الذي تتساوى عنده الكميات المطلوبة مع الكميات المعروضة في السوق،
او الذي تتوازن عنده قوى الطلب من جانب المشترين مع قوى العرض من جانب البائعين
وبالتالي يقال للكمية التي يتحدد عندها ثمن التوازن كمية التوازن.
كما يعرف التوازن على انه تلك الحالة التي يمكن ان تبقى دائما طالما لم يحدث
اي تغيير في الظروف المؤدية اليها .
من هذا التعريف يتضح انه ركز على حالة التشغيل الكامل اي صفة الثبات معتمدا في
ذلك على الفكر التقيليدي الذي ينطلق من شرط توازن الاستخدام الكامل، هذا بالاضافة الى بعض
الدراسات التي تناولت تحليل مفهوم التوازن الاقتصادي العام بمفهوم الاختلال والتي عرفت اختلال التوازن بانه
الاختلال بين حجم الموارد المتاحة ذاتيا وبين حجم الاحتياجات الفعلية التي يحتاجها المجتمع اي ان
الاقتصاد هنا يكون في حالة اختلال توازني اذا ماكان يستخدم موارد اكثر مما يملك في
الواقع، حيث ان اختلال التوازن الاقتصادي العام ينعكس في مجالين اقتصاديين هما اختلال التوازن الاقتصادي
الداخلي واختلال التوازن الخارجي.
ومن هنا يتضح ان التوازن على مستوى الوطني يتحقق عندما يتساوى الطلب الكلي مع العرض
الكلي وعندما لا يكون هناك دوافع للتوسع او الانكماش بزيادة الطلب الكلي او العرض الكلي
خلال الفترة القصيرة.
واخيرا نخلص الى ان التوازن مبدا قديم في الاقتصاد ويرمز عادة الى توازن الاسواق( السلع
والخدمات، النقد، العمالة) سياتي تفصيل ذلك في المبحث القادم من هذا الفصل.
بعدما تعرفنا على مفهوم التوازن نحاول في النقطة الموالية التعرف على اشكال هذا التوازن.
2اشكال التوازن
لقد اخذ التوازن اشكال مختلفة باختلاف وجهة نظر الاقتصاديين له من جهة والهدف المنشود من
جهة اخرى ومن هذه الاشكال نذكر ما يلي.
1-التوازن الجزئي والتوازن الكلي
ان نظرية التوازن الجزئي تهتم بدراسة التوازن على المستوى الجزئي اي توازن الفرد او المؤسسة
او القطاع، حيث ان توازن الفرد يتحقق عند تعادل مستخدماته مع منتجاته، اما توازن المؤسسة
يتحقق عندما تتعادل ايراداتها مع نفقاتها.
اما التوازن الكلي هو تلك الحالة التي تكون فيها كافة التدفقات والسلع على المستوى الوطني
ثابتة اي انعدام صافي التدفقات وبالتالي ضرورة تساوي الادخار مع الاستثمار، ولهذا يتميز التوازن الكلي
بقدرته على تتبع مسار المتغيرات الاجمالية في الاقتصاد الوطني والتاثيرات المتبادلة فيما بينها .
ان شرط تحقيق التوازن الكلي قد يتحقق بالرغم من وجود اختلالات في التوازنات الجزئية شريطة
ان تتعادل مجموع الفوائض المنبثقة عن تلك الاختلالات حيث يتجه كل من الانتاج والتوظيف والاسعار
الى الانخفاض في الاسواق التي تعاني من فائض في العرض، في الوقت الذي يتجه للارتفاع
في الاسواق التي تواجه تضخما .
2-التوازن قصير الاجل والتوازن الطويل الامد
يقصد بالاول هو تلك الحالة التي تكون فيها التدفقات ثابتة بحيث لا يكون لها ميل
الى مزيد من التغير على الاقل في الزمن القصير مع امكانية تغيير المخزون لاحقا، الذي
يعمل هو الاخر على تغيير التدفقات مما يؤدي الى اختلال التوازن السلعي والتدفقي الكامل اي
ان التوازن في المدى القصير يتجاهل التغيرات السلعية في المدى القصير لضالتها نسبيا مع مقارنتها
مع الحجم الكلي للسلع، اما التوازن الاقتصادي على المدى الطويل يتحقق عندما يكون توزيع مجموع
المواد بحيث تصبح الايرادات الانتاجية الحدية النسبية متعادلة في جميع الزيادات البديلة من جهة اضافة
الى تمكن المؤسسات من استخدام مواردها في المجالات الاقل تكلفة بحيث يتعادل الناتج العيني الحدي
لقيمة كل وحدة نقدية في مجموعها .
ومنه المحافظة على المستوى التوازني للدخل في الزمن القصير تتطلب ضرورة مساواة الادخار مع الاستثمار
في حين يتطلب الوصول الى مستوى التوظيف الكامل في المدى الطويل زيادة استثمار اليوم دائما
عن ادخار الامس ، اي مع مرور الايام يستلزم ان يكون الاستثمار اكبر من الادخار
بهدف الوصول الى التوظيف الكامل.
3-التوازن الساكن والتوازن الحركي
يقصد بالتوازن الساكن هو تلك الحالة التي تستقر عندها قيم المتغيرات موضوع الدراسة اي عدم
وجود ضغوط او قوى تعمل على تغيير تلك القيم لكن هذا لا يمنع من حدوث
اختلال بعد مرور الزمن، فقد يختل التوازن في مركزه.
ان هذا النوع من التوازن لم يهتم بتحديد المدى الزمني اللازم لحركة المتغيرات بين الاوضاع
التوازنية، كما ان منهجه لا يوفر الثقة في الوصول الى وضع توازني جديد بل على
العكس من ذلك قد تنحرف المتغيرات عن مسارها نحو التوازن الجديد مما قد يؤدي بنا
الى نتائج خاطئة ، ونظرا للانتقادات التي وجهت للنوع الاول تم استخدام النوع الثاني من
التوازن والمتمثل في التوازن الحركي حيث يتحقق التوازن في نظر مستخدمي هذا المفهوم (الحركي) اذا
ما توفرت له الظروف والعوامل المناسبة ثم ما يلبث ان يفسح المجال امام اختلال جديد
اثر تدخل عوامل وظروف جديدة محل الاختلال الاول
4-التوازن الناقص والتوازن الكامل
يقصد بالاول هو ذلك التوازن الذي يكون قبل الوصول الى التشغيل الكامل، اي ان هذا
التوازن يتحقق بالرغم من وجود بعض عوامل الانتاج عاطلة وهذا ما ركز عليه كينز اين
قسم التشغيل الى مستويات واعتبر ان التشغيل الكامل هو واحدا من هذه المستويات غير ان
هذا النوع صعب التحقيق وخاصة في ظل سيطرة الاحتكارات التي تهدف دائما الى الوصول الى
مستوى من الانتاج والذي يحقق بدوره اقصى ربح ممكن بغض النظر عن الاثار المترتبة عن
ذلك والتي تنعكس على الاقتصاد الوطني.
وفي حالة ما اذا عجزت الية السوق على تخصيص الموارد عن طريق تنسيق بين قرارات
المنتجين والمستهلكين تجنبا لسوء توزيع الموارد، فهنا تتدخل الدولة لاعادة توزيع الموارد بين مختلف الاستخدامات
بصورة تضمن دفع الاقتصاد الى مركز التوازن، الذي يسمح باستغلال كل الموارد المتاحة وعندها نكون
امام التوازن الكامل.
مما سبق يتضح ان هذا التوازن الهدف منه هو تحقيق التوازن الاجتماعي.
ان التوازن الاجتماعي للمالية العامة يحقق اغراضه على مستوى التوازن الاقتصادي عندما تستطيع سياسة اعادة
توزيع الدخول تحقيق توازن في التوزيع بين مختلف المواطنين والقطاعات في المجتمع فيكون هذا التوزيع
على اساس زيادة قدرة الطبقة ذات الدخل الضئيل على الانفاق ورفع مستواها المعاشي. وفي الوقت
نفسه يؤثر ذلك في الحالة الاقتصادية العامة فيزيد من حجم الاستهلاك ويمكن ان يكون عاملا
ايجابيا في التاثير في الاقتصاد الوطني بغية اقامة افتصاد عام.