احلى مواضيع جديدة

بحث عن غزوة الخندق

بحث عن غزوة الخندق Download 184

غزوة الخندق
وصل في شوال عام 5ه الى حدود المدينة المنورة عشرة الاف مقاتل مشرك من قريش
وغطفان وبني سليم وغيرهم، ولم يكتف رسول الله بحفر الخندق، بل جمع الصحابة ثلاثة الاف،
ونظم نقاط الحراسة للخندق، وفرق للقتال، وكتائب للمقاومة، حتى يمنع المشركين من تخطي الخندق تحت
اي ظرف.
وكان وقع المفاجاة مهولا على المشركين، انها مكيدة ما عرفها العرب من قبل في فنون
القتال، لقد اعدوا العدة لكل شيء، الا امر هذا الخندق المدهش.
بدا المسلمون في رشق المشركين بالنبال لكي يمنعوهم من عبور الخندق او ردمه، وحاول المشركون
بكل ضراوة ان يقتحموا الخندق, ونجح بعضهم فعلا في العبور من مكان ضيق في الخندق
بفرقة على راسها احد ابطالهم اسمه عمرو بن عبد ود, ومعه عكرمة بن ابي جهل
وضرار بن الخطاب وغيرهم، ولكن تصدى لهم المسلمون, حيث حدثت مبارزة رهيبة بين عمرو بن
عبد ود وعلي بن ابي طالب t حتى قتله البطل الاسلامي العظيم علي بن ابي
طالب، وهرب بقية الرجال الذين جاءوا معه، وتكررت محاولة المشركين مرة واثنتين، وعشرة، وتصدى اسيد
بن حضير t في كتيبة من مائتي مسلم لفرقة فرسان خالد بن الوليد واستطاع ان
يردهم منهزمين.
كان الصراع يدور لفترات طويلة حتى انه في احد الايام ظل المسلمون يدافعون عن الخندق
من قبل صلاة العصر الى ما بعد المغرب فضاعت عليهم صلاة العصر، وكان هذا الحدث
فريدا في السيرة، وانزعج المسلمون بشدة لانهم اضاعوا الصلاة، وقال كما جاء في البخاري عن
علي t: “ملا الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت
الشمس”.
بل ان مسند احمد والشافعي ذكرا ان الكفار اضاعوا على المسلمين في يوم اخر صلاة
الظهر والعصر والمغرب، فصلاها المسلمون جميعا مع صلاة العشاء.
كانت المقاومة فعلا شرسة, واصيب فيها بعض الصحابة، وطال الحصار.
لم يكن يوما او اثنين، ولا اسبوعا او اثنين، بل لمدة شهر كامل، وكان الموقف
صعبا على المسلمين، كما كان صعبا على الكافرين.. {ان تكونوا تالمون فانهم يالمون كما تالمون}
[النساء:104] .
خيانة بني قريظة
واسقط في ايدي الكافرين، واحتاروا في كيفية حل موقفهم ذلك، حتى جاءهم الحل اخيرا، وكان
من عند اليهود.
فاليهود مثلما جمعوا هذه الاعداد كلها ما زالوا يفكرون في استئصال المسلمين، وبدءوا يفكرون في
الطريقة التي تمكنهم من ذلك، وكان مع المشركين احد زعماء اليهود، وعتاتهم وهو حيي بن
اخطب، وكان من اشدهم كفرا وحقدا وغلا وحسدا، فكر في الامر، فلم يجد له مخرجا
الا في يهود بني قريظة.
بنو قريظة كما ذكرنا كانوا في الجنوب الشرقي للمدينة، فلو فتحوا الباب من جهتهم لدخول
المشركين المدينة، لانتهت المدينة، فماذا يحدث لو حاربوا مع المشركين، وراقت تلك الفكرة للمشركين جدا،
ولم يتبق الا اقناع بني قريظة بمخالفة العهد مع رسول الله، والسماح للمشركين بدخول المدينة
لاستئصال الشعب المسلم بكامله، وذهب حيي بن اخطب لاداء مهمته القذرة والتقى بزعيم بني قريظة
كعب بن اسد، فقال حيي: اني قد جئتك يا كعب بعز الدهر, جئتك بقريش على
قادتها وسادتها, وبغطفان على قادتها وسادتها، وقد عاهدوني وعاقدوني على ان لا يرجعوا حتى نستاصل
محمدا ومن معه.
قال كعب: جئتني والله بذل الدهر، ويحك يا حيي، فدعني وما انا عليه فاني لم
ار من محمد الا صدقا ووفاء.
لكن حيي ظل يكلم كعبا ويزين له، ثم وعده ان تخلت قريش وغطفان عنه ان
يدخل معه في حصنه، ويتحمل معه ما يحدث بعد ذلك.
وتحت تاثير شيطان بني النضير وقع شيطان بني قريظة، وقرر التحالف مع المشركين لتنفيذ ما
ذكره حيي: لا نبرح حتى نستاصل محمدا ومن معه.
وقضى التحالف ليس فقط بفتح باب للمشركين لدخول المدينة, بل وتجهيز فرق عسكرية للحرب ضد
المسلمين. كارثة! المدينة على ابواب هلكة قريبة.. ماذا يحدث لو تمكن عشرة الاف مسلح اضافة
الى يهود بني قريظة من اقتحام المدينة؟ لا احسب ان احدا كان سيبقى حيا في
المدينة انذاك.
يجب ان نضع هذا الامر في اعتبارنا لكي نفهم رد فعل الرسول على بني قريظة
لما بدر منهم من خيانة.
على الفور نقلت المخابرات الاسلامية الى رسول الله نبا خيانة اليهود له، نعم، كان رسول
الله على حذر من اليهود، يعلم انهم لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة، ولذلك
وضع عليهم هذه المراقبة.
وخبروني بالله عليكم: هل من قبيل المصادفة ان يخون مائة بالمائة من اليهود في تعاملهم
مع الرسول ؟ هل من قبيل المصادفة ان يظهر الانحراف في بني قينقاع وبني النضير
وبني قريظة؟
لا شك ان هذه ليست مصادفة ولا شك ان هذا الواقع لا بد ان ندركه
جميعا، ذكره ربنا I في كتابه حيث قال: {او كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم
بل اكثرهم لا يؤمنون} [البقرة:100].
هكذا في كل مرة، يجب ان يخونوا، ويغدروا، وهذه ليست مصادفة، هذه قاعدة، وطبيعة متاصلة
في نفوسهم، لا عهد لهم ولا ذمة.
وصل الخبر للرسول ، وقبل ان يتخذ اي قرار اراد ان يستوثق من الخبر، ارسل
مجموعة من الصحابة للتاكد، فيهم سعد بن معاذ, وسعد بن عبادة، وعبد الله بن رواحة
وغيرهم، وقال لهم امرا في غاية الاهمية قال: “انطلقوا حتى تنظروا احق ما بلغنا عن
هؤلاء القوم ام لا؟ فان كان حقا فالحنوا لي لحنا اعرفه ولا تفتوا في اعضاد
الناس، وان كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس”.
هذه هي الحكمة النبوية، والقيادة الذكية، كثيرا ما ينشر المسلمون اخبار خطط وتسليحات وامكانيات العدو
على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون، فيشعر المسلم المشاهد لذلك انه لا امل، ويحبط، وييئس من
المقاومة، لكن الرسول يعلمنا انه ليس كل ما يعرف يقال.
ذهبت المجموعة الاسلامية الى بني قريظة, ولما تكلموا معهم جهر يهود بني قريظة بالسوء, وسبوا
الرسول وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد.
رجع الصحابة بسرعة الى رسول ، وقالوا: عضل وقارة. اي غدر كغدر عضل وقارة بالصحابة
عند ماء الرجيع.
حزن الرسول حزنا شديدا لهذا الخبر لدرجة انه تقنع بثوبه (غطى راسه بالثوب) ومكث طويلا،
وفكر فيما سيحدث.
ثم رفع راسه فجاة وقال للمسلمين بصوت عال: “الله اكبر, ابشروا يا معشر المسلمين بفتح
الله ونصره”.
يحاول قدر المستطاع ان يرفع من همة الصحابة y.
انتشار خبر خيانة بني قريظة
وعلى الرغم من محاولاته لتجنب انتشار الخبر الا ان الله شاء للخبر ان ينتشر، وهذا
لحكمة واحدة، الابتلاء والتنقية والتمييز بين صفوف المؤمنين وصفوف المنافقين.
كل ما حدث من الاحزاب وحصار المدينة كان درجة من درجات الابتلاء، اما الان فقد
وصل المسلمون الى ما اسميه بمرحلة الزلزال، المرحلة التي يزلزل فيها المسلمون زلزالا لا يثبت
فيه الا الصادقون حقا، اما المنافقون مهما كانت درجة نفاقهم فلا شك انهم سيقعون، وصف
الله هذا الامر في سورة الاحزاب حيث قال: {اذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم
واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا
شديدا} [الاحزاب:10، 11].
مرحلة الزلزال، مرحلة خطيرة، لا بد منها قبل ان ياتي النصر، ولكن اذا اتت فمعناها
ان النصر قريب ان شاء الله.
وفي الاية الاخرى، يقول : {ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما ياتكم مثل الذين خلوا
من قبلكم مستهم الباساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله
الا ان نصر الله قريب} [البقرة:214].
لكن المنافقين طبعا وضعهم مختلف، المشركون من حول المدينة واليهود. لا امل مطلقا في نظرهم
في النجاة {واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا}
[الاحزاب:12].
وكان احدهم يقول: كان محمد يعدنا ان ناكل كنوز كسرى وقيصر، واحدنا اليوم لا يامن
على نفسه ان يذهب الى الغائط.
وبدا المنافقون في التسرب من الصف.. الفرار {واذ قالت طائفة منهم يا اهل يثرب لا
مقام لكم فارجعوا ويستاذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان
يريدون الا فرارا} [الاحزاب: 13].
بدا الصف المسلم، والحمد لله، ينقى من الشوائب، من المنافقين، وهذا كله من مبشرات النصر.

والرسول قائد عملي، يجب ان ياخذ ردود افعال واقعية، الجيش الاسلامي في حراسة الخندق في
شمال المدينة، في منطقة خارج المدينة المنورة، النساء والاطفال في داخل المدينة, واليهود الى جوارهم،
فاول ما فكر فيه رسول الله ارسال مجموعة من الجنود لحماية النساء والاطفال.
والجدير بالذكر ان ما يروى من قصة دفاع السيدة صفية -رضي الله عنها- عن الحصن
ضد اليهود, ورفض حسان بن ثابت t ان يهاجم اليهودي هذه القصة لا اساس لها
من الصحة، السند فيها منقطع، وفيها طعن لا يصح في صاحبي جليل.
ارسل رسول الله فرقة لحماية لجبهة الداخلية للمدينة المنورة، ويجب ان نفكر في الموقف الجديد
بسرعة، لقد اصبح الحصار الان من قريش وغطفان واليهود ماذا نفعل؟
يتوجب على المسلمين بداية فك هذا التحالف الرهيب، فكيف يتم ذلك الامر؟ ومع اي جهة
نبدا؟ مع قريش ام مع اليهود ام مع غطفان؟
محاولة الرسول فك التحالف
فكر رسول الله في فك التحالف من خلال العرض المادي، والاغراء بالمال. المنطق يقول ان
اي محاولة مع قريش ستفشل، فالعداء طويل، وهم اصلا لم ياتوا من اجل المال، وكذلك
الوضع مع اليهود؛ لان حقدهم على الرسول كبير جدا، كما انهم خونة، لا يمكن الاطمئنان
الى كلامهم، لم يتبق الا غطفان، هذه القبيلة التي لم تات ناقمة على رسول الله،
وليس بينه وبينها عداء، وانما جاءت من اجل مال خيبر، اي انه من الممكن ان
تنسحب، او تفك ارتباطها بالباقين اذا اعطيت مالا.
وفعلا عقد لقاء مع زعماء غطفان: عيينة بن حصن، والحارث بن عوف، لا تذكر المصادر
تفاصيل ذلك اللقاء، لكنه يبدو انها كنت فرصة، فرصة سريعة جدا، لدرجة ان الرسول لم
يجد وقتا لاشراك الصحابة في اللقاء او ان اللقاء كان على مستوى عال جدا من
السرية، فلم يشرك فيه احد من الطرفين، المهم ان اللقاء تم بين الرسول ممثلا للمسلمين،
وعيينة بن حصن والحارث بن عوف ممثلين عن غطفان، وبعد مشاورات ومداولات، استقر الطرفان على
اعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة لسنة كاملة على ان تعود غطفان وتترك حصار المسلمين، لكن
الرسول علق هذه المفاوضات على قبول مجلسه الاستشاري للفكرة، وخاصة سعد بن معاذ وسعد بن
عبادة سيدي الاوس والخزرج، فلماذا هذان الرجلان بالذات؟
اولا: لانهما قريبان في مساكنهما في المدينة من غطفان، ومن ثم فهما ادرى الناس بهم
وبما يصلح معهم.
وثانيا وهو الاهم: ان ثمار المدينة هذه التي ستكون ثمنا لفك الحصار ليست ملكا للرسول
، وان كان هو زعيم الدولة، وان كان هو النبي ، ولكنه يحترم تماما الملكية
الشخصية للافراد، وهذه الثمار ملكية شخصية للاوس والخزرج.
ولهذا بعد اجتماع الرسول مع زعماء غطفان، قام باجتماع اخر بسرعة مع السعدين: سعد بن
معاذ وسعد بن عبادة t، وعرض عليهما الاتفاق الذي وصل اليه مع زعماء غطفان، وكان
رسول الله يعتقد ان هذا العرض عرض مغر لانقاذ المدينة من الحصار (كان هذا بعد
نحو شهر من الحصار)، فماذا كان رد فعل زعيمي الاوس والخزرج؟
لقد رحبا بالعرض بداية، ثم قال سعد بن معاذ بمنتهى الحكمة: يا رسول الله امرا
تحبه فنصنعه، ام شيئا امرك الله به لا بد لنا من العمل به، ام شيئا
تصنعه لنا؟
اذ انه لو كان امر من الله او رسوله لما جاز له ان يفكر فيه
او يناقشه اصلا، فلا بد من السمع والطاعة، اما ان كان رايا بشريا فيمكننا حينئذ
مناقشته، وعرض الراي فيه.
فقال لهم رسول الله : “بل شيء اصنعه لكم, والله ما اصنع ذلك الا لاني
رايت العرب رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فاردت ان اكسر عنكم من
شوكتهم”. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا وهؤلاء مع الشرك بالله وعبادة
الاوثان لا نعبد الله ولا نعرفه, وهم لا يطمعون ان ياكلوا منها ثمرة واحدة الا
قرى او بيعا او فيضا، افحينما كرمنا الله بالاسلام، واعزنا بك وبه نعطيهم اموالنا؟ ما
لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم الا السيف وحتى يحكم الله بيننا وبينهم.
هكذا تكون عزة المسلم، اعجب الرسول براي سعد جدا على الرغم من مخالفته لرايه، وقال
له: “انت وذاك”.
فامسك سعد بن معاذ بالصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب, ثم قال: ليجهدوا علينا.
وراسل رسول الله زعماء غطفان، واعلمهم براي المجلس الاستشاري ورفض المساومة.
والحقيقة ان راي السعدين كان في منتهى العمق والحكمة، ليست نظرة عنترية غير مدروسة بل
هي رؤية استراتيجية رائعة، فمستقبل المدينة قد يتحدد بهذه المفاوضات فليست المشكلة فقد ثلث ثمار
المدينة، ولكن المشكلة ان غطفان ستحقق انتصارا غير مقبول على الدولة الاسلامية, وستهتز صورة الدولة
الاسلامية امامها وستهتز امام الجزيرة العربية بكاملها، وهؤلاء ليسوا من الزعماء النبلاء الشرفاء، بل هم
مجرد مرتزقة ماجورين, وسيفتح هذا الباب الابتزاز المستمر للمدينة المنورة كلما احتاجوا الى مال جاءوا
المدينة. اما هذه الوقفة الصلبة الجريئة فانها -ولا شك- ستهز غطفان من الاعماق، وبالذات انهم
لا يفكرون الا في المال والدنيا، وطالب الدنيا ضعيف، ضعيف جدا امام طالب الاخرة.
ويجب الا ننسى ان ديار غطفان قريبة من المدينة، وقريش ان اجلا او عاجلا ستعود
الى ديارها بمكة, اما غطفان فباقية، ولهذا يجب ان نحافظ جيدا على صورة قوية راسخة
امامهم، وهكذا كان القرار في منتهى الحكمة، واقره الرسول دون تردد، وليعلم الجميع ان الشورى
اصل من اصول الحكم في الاسلام, وكان من الممكن جدا ان يوحي الله I بهذا
الراي الى رسوله مباشرة، ولكن حدوث هذه القصة بهذه الصورة يفتح للمسلمين ابواب الفكر والابداع
وابداء الراي لمصلحة الامة الاسلامية.
ابتلاء سعد بن معاذ
وكان الله اراد ان يختبر الصدق في كلام سعد بن معاذ t، فحدث امر شاق
على المسلمين كثيرا, ولكنه كان حلما لسعد بن معاذ.
لقد اصيب سعد بن معاذ البطل الاسلامي الشاب t، اصيب بسهم في ذراعه او كتفه
وكانت الاصابة شديدة خطيرة.
وكانت ازمة فوق الازمات، وهذا زعيم الاوس وهذا حكيم المسلمين وهذا المطاع في قومه وهذا
الحبيب ليس فقط لرسول الله بل لله رب العالمين، سعد بن معاذ قيمة كبيرة جدا
في الاسلام، كانت ازمة كبيرة جدا، فماذا كان رد فعل سعد لهذه الاصابة؟ شاب يصاب
اصابة قاتلة وهو في السابعة والثلاثين من عمره، ماذا يقول؟
قال سعد يدعو الله: “اللهم انك تعلم انه ليس احدا احب الي ان اجاهدهم فيك
من قوم كذبوا رسولك واخرجوه، اللهم فانني اظن انك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فان
كان بقي من حرب قريش شيء، فابقني لهم حتى اجاهدهم فيك, وان كنت وضعت الحرب
فافجرها واجعل موتتي فيها”.
يا الله! شاب عنده 37 سنة يرجو الله الا يموت حتى يجهز على قريش، ويتمنى
الا يلتئم جرحه لكي يموت شهيدا، عندما يصبح الموت امنية.
هذه موتة شهيد، يدعو الله الا تفوته فرصة الشهادة في سبيل الله.
ثم قال في اخر دعائه: “ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة”.
حتى في لحظاته الاخيرة لا ينسى غدر بني قريظة، ولا ينسى هموم الامة الاسلامية.
وكفى الله المؤمنين القتال
تازم الموقف جدا لم يعد في الصف المسلم احد من المنافقين، وبذل المسلمون جهدهم كله،
حفروا الخندق في وقت قياسي، تحملوا في سبيل الله الجوع والبرد، حموا الخندق، ودافعوا عنه
بارواحهم، قاتلوا بضرواة، تعبوا، كافحوا ، قاموا بالمشاورات، واجتهدوا في الدعاء؛ لان النصر من عند
الله.
كان المسلمين يدعون الله تعالى ايام الاحزاب يقولون: اللهم استر عوراتنا، وامن روعاتنا. وكان الرسول
يقول: “اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الاحزاب, اللهم اهزمهم وزلزلهم”.
بعد ان بذل المسلمون كل طاقتهم، ووسعهم ومحاولاتهم، ياتيهم نصر الله، ولا شك، وياتيهم بطريقة
الهية، وترتيب رباني، حتى يعلم الجميع، ويوقنوا ان النصر من عند الله، وجاء جنود الرحمن
في الاحزاب، وساختار منهم ثلاثة جنود فقط من جنود الرحمن نتحدث عنهم.
الجندي الاول: نعيم بن مسعود
نعيم بن مسعود رجل من المشركين لا يتوقع اسلامه ابدا في هذا التوقيت، بل يكاد
يكون مستحيلا، ذلك انه من قبيلة غطفان المحاصرة للمسلمين، كيف لرجل من الجيش القوي المحاصر
للمسلمين، بعد ان مر شهر على الحصار، وقد ينهار المسلمين في اي لحظة وخاصة بعد
خيانة اليهود، كيف له ان يترك جيشه القوي لينضم لجيش المسلمين الضعيف المهدد بالانهيار في
اي لحظة؟!
جاء نعيم بن مسعود الى الرسول يقول له: يا رسول الله، اني قد اسلمت وان
قومي لم يعلموا باسلامي, فمرني ما شئت.
فقال رسول الله : “انما انت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فان الحرب خدعة”.

ولم يامره بشيء يعمله، ولكن يشاء الله ان يلهمه بفكرة لم ترد على ذهن احد
من المسلمين، ولا رسول الله نفسه، ونعيم بن مسعود شخصية معتبرة قيادية معروف عند اليهود
وعند قريش، فذهب مباشرة الى يهود بني قريظة وقال لهم، وهم يحسبونه مشركا, ويعلمون انه
من قادة غطفان، فله معرفة بواقع الامور وما يجري خلف الابواب، قال لهم: قد عرفتم
ودي اياكم وخاصة ما بيني وبينكم. قالوا: صدقت. قال: فان قريشا ليسوا مثلكم، البلد بلدكم,
فيه اموالكم ونساؤكم وابناؤكم، ولا تقدرون ان تتحملوا منه الى غيره، وان قريشا قد جاءوا
لحرب محمد واصحابه, وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم واموالهم ونساؤهم بغيره, فان اصابوا فرصة انتهزوها، والا
لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمدا، فانتقم منكم.
فقالوا: وما العمل يا نعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. قالوا: لقد اشرت
بالراي.
ثم ذهب نعيم الى قريش مباشرة، وقال لهم: تعلمون ودي لكم ونصحي لكم. قالوا: نعم.
فقال: ان يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد واصحابه, وانهم
قد راسلوه انهم ياخذون منكم رهائن يدفعونها اليه, ثم يوالونه عليكم, فان سالوكم رهائن فلا
تعطوهم.
ثم ذهب الى غطفان وقال لهم نفس الكلام.
قريش شعرت بالقلق وكذلك غطفان، ارسلوا رسالة سريعة الى اليهود وبتدبير رب العالمين كانت يوم
السبت، قالت قريش لليهود: انا لسنا بارض مقام, وقد هلك الكراع والخف, فانهضوا بنا حتى
نناجز محمدا. فاعتلت اليهود بالسبت وقالوا: لا نقاتل معكم حتى تبعثوا الينا رهائن.
قالت قريش وغطفان: صدقكم والله نعيم, فبعثوا الى اليهود, وقالوا: انا والله لا نرسل اليكم
احدا, فانهضوا معنا نناجز محمدا.
فقالت اليهود: صدقكم والله نعيم.
فدبت الفرقة بين الفريقين، وتفتت الاحزاب، وهكذا، بحكمة الله وتدبيره، يسلم نعيم بن مسعود في
هذا الوقت، ويلهمه الله بالفكرة التي ينجح بها في تفتيت الاحزاب، ورد كيدهم.. {انما امره
اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون} [يس: 82].
الجندي الثاني: الريح
والريح جندي هائل من جنود الرحمن، وربنا I بعث ريحا شديدة وقاسية البرودة على معسكر
الكافرين لم تترك لهم خيمة الا واقتلعتها، ولم تترك قدرا الا قلبته، ولم تترك نارا
الا اطفاتها، ووصلت شدة الريح وخطورتها الى الدرجة التي دفعتهم لاخذ قرار العودة دون قتال
وفك الحصار.. {انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون} [يس: 82].
لماذا لم تات الريح منذ اليوم الاول؟! لماذا انتظرت شهرا كاملا؟!
كان ذلك لكي يمتحن المؤمنين، ويتميز الصادق من الكاذب، والمؤمن الصادق من المنافق.
ولماذا لم تهلكهم هذه الريح تماما مثلما اهلكت عادا وثمود؟ لان كثيرا من هؤلاء الكفار
سيسلمون بعد ذلك، ويتكون منهم جيش الاسلام.
سبحان الله! الكون يجري وفق نواميس غاية في الدقة والاعجاز.
الجندي الثالث: الملائكة
يقول الله : {يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فارسلنا
عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا} [الاحزاب: 9].
وسنرى فيما بعد في حديث بني قريظة ان الملائكة شاركت في الحرب بل شارك جبريل
بنفسه.
هزيمة الاحزاب
وتم نصر الله وارسل رسول الله حذيفة بن اليمان الى معسكر الكفار ليطمئن على سير
الاحداث, وعلى فعل الرياح بهم وعلى اثر الفرقة التي احدثها نعيم بن مسعود t، فعاد
حذيفة بالخبر الجميل وبالنصر العظيم.
لقد عزم الجميع على الرحيل.
كل ذلك بدون قتال.
قال I: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان
الله قويا عزيزا} [الاحزاب:25].
وانتهت واحدة من اعظم معارك المسلمين مع انه لم يحدث فيها قتال، وكان الله يريد
ان يقول لنا، ليس المطلوب هو تحقيق النصر، ولكن المطلوب هو العمل من اجله، المطلوب
هو قرار الجهاد، والثبات في ارض المعركة، المطلوب هو صفات الجيش المنصور، اما النصر فينزل
بالطريقة التي يريدها رب العالمين، وفي الوقت الذي يريده الله .بحث عن غزوة الخندق Download 184

السابق
خلطه السدر للشعر
التالي
دعاء الشفاء للام