النظام الاقطاعي :هو تفرد مجموعة بملكية الارض ، وما عليها من عباد ، هذا بالمعنى العام
، وبمعنى اخر هو نظام سياسي اجتماعي واقتصادي حربي ، قائم على حيازة الارض ،
وتنظيم العلاقة بين السيد الاقطاعي والتابع .
والنظام الاقطاعي هو الذي ميز اوروبا في العصور الوسطى ، والذي يناقض النطام السابق له
، والعصر الذي جاء بعده .
اما مفهوم الاقطاع فلم يتم استخدامه الا في اواخر القرن الثامن عشر ، ابان الثورة
الفرنسية عام 1789 م ، ومنذ ذلك الحين ظهرت الى جانب ” النظام الاقطاعي ”
كلمات مثل ” الاقطاع ” ، ” القن ” ، ” القنية ” ، ”
المامور ” ، ” الضومين ” وغيرها من مصطلحات تتعلق بالارض بما عليها من عاملين
وملاك في العصور الوسطى ، حيث اصبح لهذه المفردات مكانتها في المعاجم التاريخية ، يستخدمها
الكتاب والمؤرخون في دراساتهم للعلاقات المتشابكة بين الافراد والجماعات ابان العصور الوسطى الاقطاعية .
ويعود سبب ظهور هذا النظام في اوروبا في ذلك الوقت الى ضرورات اقتضتها ظروف الحياة
في تلك المجتمعات ، بعد سقوط الامبراطورية الرومانية بيد القبائل البربرية ، واهمها :
1. تاثر النبلاء ، ومالكي الاراضي الرومان بنظام الاتباع ، الذي ساد دولة الفرنجة غاليا
في ( فرنسا ) .
2. قيام صغار المالكين برهن املاكهم الى من هم اكثر نفوذا وقوة ، لتامين الحماية
لهم .
3. حالة الضعف والفوضى التي سادت البلاد بعيد وفاة شارلمان .
4. ضعف الحكومة المركزية للدولة ، وعجزها عن صد الاخطار الخارجية .
اما عناصر النظام الاقطاعي :
السيد الاقطاعي : وهو المالك للارض ، وقد يكون من طبقة النبلاء او المحاربين ، ويساعده
التابع .
التابع : هو من طبقة العبيد ، والمحكوم عليه بفلاحة الارض والعمل عليها .
الارض المقتطعة : وهي الارض التي يمنحها السيد للتابع ، للعمل بها وضمان معيشته .
طبقات المجتمع الاوروبي في ظل نظام الاقطاع :
1. طبقة رجال الدين :وهم القائمين على الكنيسة والرهبان ، كانت حياتهم بسيطة في ظل الوثنية
، وفي مطلع القرن الرابع تحولت الامبراطورية الى المسيحية ، عندها حرص الملوك في ذلك
الوقت على اعطاء ما سمي بالاراضي الموقوفة ، للانفاق على المساكين والامراء لصالح الكنيسة ،
فازداد ثراء الاخيرة ، وتحول الاساقفة الى امراء ” اكليروس ” ، وهم امراء رجال
دين يدعون للناس مقابل مبالغ هائلة ، لاعتقاد الناس بان رجال الدين يسجلون دعواتهم ،
ويقومون بارسالها الى الله بواسطة القمر !
2. طبقة الاسياد :هم ملاك السلطة والحرب بالوراثة ، وكان عليهم حقوق الزامية للملك ، كتقديم
الاموال له والجواهر النفيسة في مناسباته المختلفة .
3. الطبقة العامة : وكانت تشكل الغالبية العظمى للمجتمع الاوروبي ، وتتصف حياتهم بالصعوبة، حيث كانت
الغالبية العظمى من العامة هم من الفلاحين ، وكان الفلاح تابعا للارض ، ان بيعت
الارض تباع بمن عليها من فلاحين ، حيث لا حق لهم بالحياة سوى لخدمة المالك
والدفاع عنه وفلاحة الارض .
في كتاب ( قصة الحضارة ) ل ” ول ديورانت ” ، وصف حياة الفلاحين
في تلك الحقبة قائلا :
” اذا جاء الشتاء دخل الفلاح وزوجته ، وابنائه وبهائمه وضيوفه في الكوخ ، ليدفيء
بعضهم بعضا ” .
وقد نشا مفهوم ( الفيودالية ) :. وهو تنظيم سياسي اجتماعي اقتصادي ، تميز باختفاء مفهوم
الدولة ، وانتشار مجموعة من الاعراف والتقاليد واساليب عيش حكمت العلاقات بين السيد الاقطاعي ،
والاقنان المرتبطين بالارض .
وان اردنا الحديث عن الطبقة الاقطاعية في ذاك الوقت ، فقد ارتبط الفلاحين بالعمل في
اراضي كبار المالكين والنبلاء ، ضمن اعمال العبودية ( القنانة ) ، تحولت فيما بعد
الى اعمال سخرة جماعية لكل من يسكن منهم ضمن اطار املاك الاقطاعي ، حيث وجب
عليهم حماية الاقطاعي ، والدفاع عنه ، والعمل عنده ، بالاضافة لالزامهم بضريبة سنوية تكاد
تحصد كل ما جنوه طوال العام .
اما الكنيسة فقد اقامت تحالفا مع الاقطاعيين ، فقد كانت تجني عوائدها من الجميع ،
سواء اكان ذلك على شكل ( عشر الدخل ) ، او صكوك غفران لمن يدفع
الثمن ، او صكوك حرمان لمن يعترض على سلطتها الروحية .
ومن هنا ازداد هروب الفلاحين من القرى الى المدن ، وشكلوا بؤرا عمالية جديدة ،
تحالفت معهم البرجوازية في بدايتها ضد الاقطاعيين والكنيسة في عصر التنوير ، حيث تعالت اصوات
المفكرين والفلاسفة بضرورة فصل الدين عن الدولة ، ولكن سرعان ما انقلبت البرجوازية عليهم لتظهر
بشكلها الحديث من ارباب العمل ومالكي المصانع ، وقامت بتشغيل الاطفال والنساء بشكل مكثف لدعم
العمل كايدي عاملة رخيصة ، في حين عملت الحركات الاشتراكية والماركسية الراديكالية ، على الانتصار
للطبقة العمالية ، والحصول على المكاسب بطرق مختلفة ، وقاموا بالمطالبة بتمثيلهم داخل النقابات ،
وتحديد ساعات العمل و رفع الاجور ، والحصول على بدل العمل الاضافي ، وحق العامل
البسيط بالحصول على عطلة اسبوعية ، واجازة سنوية ، وقد استطاعت هذه الحركات بعملها الدؤوب
الحصول على مطالبها .
اما في وقتنا الحالي ، فقد عاد العصر الاقطاعي بشكل اشد خطورة من ذي قبل
، ونطاق اوسع ، يظهر الامر جليا في سيطرة الدول العظمى على الدول الفقيرة وشعوبها
، وتقوم بوضع اليد على خيرات ومقدرات وثروات الارض ، ونشر الحروب والفتن بين ابناء
تلك الشعوب ، وخير مثال ما يحدث على ساحات وطننا العربي ، ومن هنا يتضح
لنا باننا لم نتعلم من التاريخ شيئا ، وباننا ما نزال نلدغ مرارا وتكرارا من
الجحر نفسه ، دون ان نسعى لردم التراب عليه ، وتحرير انفسنا من العبودية المتوارثة
منذ سقوط الاندلس .